فى مستشفى بشارع ابو الفدا
يرقد هو فى لفات من الشاش الأبيض الذى يدارى
زرقة الجروح
ودموعاً تبلل ورماً على خده الأيسر فيزيده وجعاً
وصمت يملأ المكان
----------------------------------
إنهما عجيبان
إنها تلك الحالة اللتى تجمعهما
متحابان منذ زمن بعيد
تعرّفا فى إطار سياسى
هو سياسىٌ مرموق ذو شأن و مكانه
وهى مساعد أول وزير الخارجية
وفى الإطار السياسى تبادلا الإعجاب
وتطوّر الوضع ليصبح حباً
----------------------------------
لديه زوجة لا يحبها
إعتاد أن يضعها على الأريكة أثناء
ذهابه للعمل ليعود مرّة أخرى و يجدها على الأريكة
لا تملك له حياة
تشبه التمثال الجليدى ،، جمالها
رائع
بيضاء بلا أى حُمره للدم فى وجنتيها
بياض يشبه لون الحائط المنزوع منه
النقوش
لا يملك نكهة ولا رائحة
قليلة الكلام حد الملل
لا تملك إحساس النشوة إن عانقها
لا تتألم ولا تتكلم ولا تبدى
إعتراضاً أو موافقة
هكذا هى
وهو
لا يجد منها ما يُسىْ
ولكنه لا يجد ما يُحب
تمثالٌ لفرجينيا
---------------------------------
لفتها إليه نظرته الشاردة التى تتخفى
فى ضحكته من وراء كأس من البرتقال
لم يلتفت لها ولم يلاحظ نظراتها التى
تتفحصه بداية من حذائه الشديد اللمعه حتى تلك الخصلة الفضيّة فى شعره
كانت قد لمحته فى مرّات سابقة أثناء
زيارته للوزارة
ولكنه لم يرعها اهتماماً
جمعتهما وقفة بذلك الأحتفال بالوزارة
حيث مجموعة من السياسيين يتحدثون فى أمور سياسية حينها تترك الجميع وتنظر إليه
وتستمر فى النظر والنظر والنظر ، وتتعمد النظر حتى إنتبه
لم يلفته لها شيئاً سوى تلك
النظرة
نظرة تنتفض وتستجدى
لا تملك هى شيئاً سوى النظرة
رفيعه القوام، عادية ولا تتميز
بالجمال، عيناها بُنيتان وملامحها شرقية بلون خمرى
لا تملك جمالاً يُذكر
لا تملك أشياءاً كثيرة
ولكنها تملك نظرة
نظرة تنادى بكل همسات الحب والعشق
والمُناجاه
ولم يستفذه شيئاً سوى تلك النظرة
وتجاذبا أطراف الحديث
فى أمورٍ سياسية
---------------------------------------------
فى حجرتها الصغيرة تنظر إلى صوره
صورة فى حفلة سابقة
صورة لإجتماع بالوزارة
صورة لسهرة إجتماعية
صور كثيرة
إنها تحبه
تتابع كل أخباره منذ ما يقارب السنة
تلملم صوره من المجلات وتلك المناسبات
الإجتماعية والسياسية السخيفة
دائماً تراها مناسبات سخيفة
لا يوجد بها سواه
فقط هو
هو ما يحلى كل شىء
ما يحلى حياتها ويجعل لها طعماً
إنها وحيدة أمها، توفى والدها وهى بالجامعة
ومع تفوقها الدراسى إستحقت العمل بوزارة
الخارجية
لا شك أن منصب أباها الراحل كممثل الوزارة
الخارجية فى كثير من الدول قد ساعدها فى الحصول على هذا المنصب
وهيأها أيضاً إنتقالهم المستمر إلى زيادة
خبرتها وثقافتها وإتقانها لأكثر من لغة
كان يخاف الرجال الإقتراب منها
كان معظمهم يشعر أنها قوية، قوية جداً لدرجة
أنهم يشعرون بضعفهم
وهى لم تسعى يوماً لجذب الرجال
ولم يستفذها يوماً رجلاً سواه
فقط هو
أصبحت فى السادسة والثلاثين
دائماً ما تخبرها أمها انها تتمنى ان ترى
أحفاداً ولكنها لن تجبرها على شىء
ستتركها حتى يدُق قلبها
أمها رومانسية الطباع
تؤمن بأن كل ما فى الدنيا يأتى بالحب
ودون الحب لا توجد دنيا
إن أمها هى سر جمال الحياة بهذا البيت
دائماً ما كانت ترى فى نظرات أباها كل معانى
الحياة حين ينظر لأمها
كانا متحابان لدرجة لا توصف
وبهذا الحب كانت أمها تعالج مشاكل الحياة
ورثت من أمها هذه الرومانسية الخيالية ،
ولكنها كانت تخفيها وراء القوة التى تظهر بها
أحبته برومانسية شديدة
أحبته وهو لا يعرفها ، لا يعرف عنها شيئاً
لا يعرف عنها سوى تلك النظرة فى ذلك الحفل
-------------------------------------------------
صباحاً يجول الوزارة يبحث عنها
يريد أن يسألها عن تلك
النظرة
يسعى ليفهم إن كانت تقصده هو
أم أن هذه هى طبيعتها حين تنظر
لم يغفل له جفن منذ الليلة السابقة، فنظرتها
تملؤه وتحاوطه .. إنه لم يشعر يوماً طيلة حياته السابقة ومن كافة النساء اللاتى
قابلنهن فى كل البلاد التى انتدب بها حتى زوجته بأن هناك مشاعر له او ان هناك نظرة
تملؤه وتحيطه
يبحث عنها وعن نظراتها
يلتقيا .... ولا يكفان عن النظر
لا يتحدثا
ينظران
لم يتخيل هو يوماً أن هناك شيئاً فى الحياة
أسمه نظرة - تلك النظرة بكل معانيها
لم يخطر فى باله يوماً انه يمكنه ان يحب
وينظر ويهتم
إن ما كان يشغله طوال حياته هو مجاله
السياسى ، حتى زوجته عرفها فى إطار عائلى ولم يعط نفسه الفرصة ليحبها
كان يسأل نفسه فى تلك المرات النادرة التى
يتحدث فيها إلى نفسه إن كان يستطيع ان يستغنى عن زوجته فى حياته - يشعر دائماً
بأنها تقدم أشياء نافعة ولكن كل ما تقدمه تستطيع أى أمرأة أخرى أن تقدمه -- وهو
يقر بانه لا يحبها ولا يكرهها ولا يكن لها أى مشاعر
--------------------------------------------
بعد ساعات من النظرات التى تنطق بكل الكلمات
تقرر ألسنتهم التحدث ويتبادلا كل كلمات الهوى من المرة الأولى
تحبه وهو ينبهر وينجذب ويخبرها
بنبضاته التى بدأت منذ الليلة الماضية
يحدثها عن أحلام الصبا تلك الأحلام التى لم
يتحدث يوماً عنها مع زوجته
يحدثها عن نكهة الصقيع فى بلاد الثلج ،، تلك
البلاد التى تمتنع عنها الشمس فتتميز بلونها الرمادى
يخبرها عن عدم حبه للون الرمادى لأنه يحجب
ضوء الشمس
إنه يفتقد الشمس فى حياته
يحدثها عن زوجته التى لا تعرف كيف تلملم
أشعة الشمس فى سلة الزهور صباحاً
تتوالى اللقاءات
وتنتشر الشمس
تحدثه عن عشقها له
عن متابعتها لكل أخباره ، عن لمعة حذائه التى لا تختفى
عن متابعتها لكل أخباره ، عن لمعة حذائه التى لا تختفى
وعن تلك الخصلة الفضية بشعره
تحدثه عن أباها وكيف كان يحب أمها
تخبره بسر السعادة فى بيتها
تحدثه عن رائحة زهور القرنفل البرية و عن نكهة
الفراولة التى تعشقها
تسأله دائماً أن يمسك يداها
إنها تتعلم معنى اللمسات
وهو يتعلم معنى اللمسات
كلاهما يذق الآخر طعم الحياة
إنهما متحابان
مر عامان وهُما متحابان
هو تغيرت كل ملامحه
أصبح أكثر شباباً و حيوية وإنطلاق
أصبح خفيف الدم
هى أصبحت أجمل وأصغر
هى أصبحت تحب ،، وهو أصبح يحب
-------------------------------------------------
تحدثها أمها عن أن الرجل عندما يحب يمتلك ويأخذ ، وأن المرأة حين تحب تعطى و تضحى
وجدت أنها تعطيه حُباً شديداً وهو يأخذ منها
حُباً شديداً
وما نهاية هذا الحب
مر عامان من الكلمات الحلوة
من البحر الذى لا ينتهى
عامان لم يفكرا يوماً فى
التحدث عن تاج الحب
لكل حب تاج
وهى تُحب التيجان
أشتقت إليك يا حبيبتى -
أنا أيضاً زاد شوقى حبيبى -
مر يومان دون أن أراكِ -
لم أعد أستطيع تحمل مرور يوماً دون أن نلتقى
و نتحدث
أتدرى كم من الوقت مر منذ
ألتقينا للمرة الأولى ؟ -
لا أعرف ولا أود أن أحسب الأيام فقد بدأت
شمسى منذ أن أطللتِ على بنظراتك فى تلك الحفلة -
لقد مر عامان -
لم أحسبهم يوماً -
إلى متى سنبقى سوياً -
إلى مدى العمر حبيبتى -
إن العمر يمر -
ونحن سوياً -
أريد تاجاً -
ما معنى تاجاً؟ -
أريد شكلاً يرسم ما بيننا -
ماذا تقصدين لشكلاً ؟ -
ماذا نحن ؟ -
أننا متحابان -
إلى متى هذا الوضع؟ -
لا أفهم -
لماذا لا نتزوج؟؟ -
-----------------------------------------------------------------
على ضوء خافت بحجرة مكتبه يجلس ليلاً ساهماً
و مفكراً
يسترجع الحديث بأكمله
يسعى لتخيل شكل ملامحه حين عجز عن الكلام
عندما سألته الزواج
هل يمكنه أن يتزوج مرة أخرى
منصبه السياسى
مركزه الإجتماعى
أسمه اللامع
أشعة الشمس
زهور القرنفل
نكهة الفراولة
هل
يمكنه أن يُضحى بمنصبه السياسى من أجل زهرة قرنفل
هل
يتنازل عن بيته ومركزه الإجتماعى من أجل حفنة من أشعة الشمس
كيف
يترك تعب سنوات العمر الماضية .. كيف يُضحى بكل هذا
كيف
يتركها وقد أضاءت حياته
كيف
يتركها وقد تذوّق من شهدها نكهة الحياة
------------------------------------------------------------
مرت
ثلاثة أيام منذ دار بينهما هذا الحوار
لم
يتحدثا أو يتقابلا
هو
لم يتخذ قرار .. وهى حائرة لا تعلم لها مرسى
هل
سيتركها؟
كيف
يتركها وقد أحبها
يتردد
دائماً فى سمعها جملة هل يستطيع المُتيم بالعشق أن يستقيل
كيف
يستقيل أو يرحل عنها
إن
كلاهما عرف الحياة مع الآخر
وكلاهما
نبض قلبه للآخر
وكلاهما
لم يعلم قبل الآخر معنى النبض أو الحياه
تنتظره
وبداخلها
هذا اليقين بأنه آتٍ
يقين
منزوع من الشك
يقيناً
صافياً كاللبن الطازج
وتنتظر
وهو
مازال حائراً شارداً
ياله
من قرارٍ ملعون
يُدمر
حياته
وتمُر
الأيام .. وهى تنتظر .. وهو حائراً
-----------------------------------------------
فى
أحضان أمها تبكى
تنهمر
الدموع لعلّها ترمى بعضاً من الوجع
تتذكر
عندما أخبرتها أمها يوماً أن الرجال يأخذون
فقط
يأخذون
تُخبر
أمها عن اليقين الذى مات
لقد
مرّ شهران
وأنتهى
كل شىء
إنها
تشعر أن عُمرها قد مرّ فى هذان الشهران
إنها
لا تملك أى شىء
الهذلان
والكآبة يملأن وجهها
وهذه
القوة أصبحت ضعفاً مُتناهياً
تنهمر
دموعها حتى جفت وغفلت من الوجع فى حُضن أمها
وفاقت
على دموع أمها باكيةً حال إبنتها
ياالله
كم تمنت أن ترى إبنتها تُحب وتتزوج وتنجب أطفالاً ولكن الله لم يشأ بعد
----------------------------------------------
فى
الصباح تسمع أنه ظهر فى الوزارة
لقد
إختفى منذ آخر لقاء وانقطعت كل آخباره ، لقد إنقطع عن العمل وعن المُناسبات وعن
الأحداث، أنقطع عن كل شىء
وظهر
شهران
يُخبرونها
أنه يبدو كمن يملك تسعون عاماً
كأن
الهم قد ركبه حتى زادت فى رأسه الخُصلات الفضية
يُخبرونها
أن حذائه لا يلمع وملامحه مُجعّده
يُخبرونها
أنه شارداً لا يُجيب إن ناداه أحد
يُخبرونها
أنه أستقال من الوزارة
يظهر
أمامها وأمام الجميع
ترتعش
من شدّة نبضات قلبها، ترتعش على حاله وعلى شوقها إليه، تُريد أن ترتمى فى أحضانه
ولكن تمنعها عزّتها، تُريد أن تشكى له حالها منه
- أشتقت إليكِ
أُريد أن أتحدث معكِ
- لقد أنتهى الكلام
- لم ينتهى
- لم يعُد بيننا حوار
- لم ينته بيننا الحوار أننا فى بداية الصفحة والسطور كثيرة
- لا أملك كلمات لتسمعه
- لدىّ الكثير لتمتلئى بالكلمات
تنظر
إليه بدموعها الحائرة ونظرات الناس المُحيطة التى ترى الأشواق فى عينيهما
إنه
يستجديها بعينيه أن تسمعه وهى تستجديه أن يرحم إشتياقها
عزّتُها
تمنعُها
ودموعه
تتوسّل لها
فى
مكانهما المُعتاد يجلسان أمامه فنجاناً من القهوة وهى تمنّعت عن قهوتها
لقد
فكّر مراراً بعد آخر حديث دار بينهُما
فكر
فى كل ما مضى من حياته
فى
منصبه السياسى ومركزه الإجتماعى وأسمه اللامع
لقد
مرت سنين عمره من أجل أن يبنى كل هذا
ولكنه
نسى أن يعيش الحياة حتى قابلها
وأحبها
وهل
فى العُمر بقيّه؟
قرر
أن يترُك كل ما مضى وينظر إلى ما بقى من العُمر
أخبر
زوجته أنه يُحب
وسيتزوّج
من أحبها .
تسأله
بهدوءها المُعتاد عن ما الذى قصّرت فيه حتى يتزوّج بأخرى
أخبرها
أنه يُحب
أخبره
أنه لم يُحبُها
بل
إن حياتهُما تشبه اللوحات الصمّاء المنزوع منها الروح
بكت
ونامت ليلها ودموعها تُبلل وسادتها
ولم
تفُق من غفوتها
إنتظرها
لتخرُج عليه ،، ولكنها لم تفعل
طرق
بابها فلم تجب
فتح
بابها عنوة
لقد
فاضت روحها ورحلت
مُرتميه
تشبه الملائكة كعادتها
لقد
ماتت
وهو
السبب
هو
من ألمها وهى لم تتحمل الألم
كان
أقوى من قدرتها على مُقاومته
فماتت
على
حافة سريرها صورة زفافهما وبجانبها خاتم الزواج
بظهر
الصورة مكتوب بخط صغير تعداد الأعوام منذ أن تزوّجا
لقد
كانت تحبه
إنه
يشعر بالذنب فهو السبب فى وفاتها
يروى
لأخته ما حدث
فتُخبره
أن الحب هو أجمل ما فى الدنيا
وإن
أنتُزع الحُب من الحياة جفّت وأصبحت بلا معنى
دعته
ألا يُشعر نفسه بالذنب ولا يُحمل نفسه فوق طاقتها
إنه
كان يتّق الله فيها منذ أن تزوّجها
ولكن
قلبه ليس بيده
وأخبرها
حتى لا يظلمُها
ولكن
الله قادرٌ وأراد لها هذا
لقد
تخطّى محنته وجاءها يسألها أن تبقى معه
إنه
لا يُريد من الدنيا سواها
أنه
يستجديها
وهى
تُجيب بكل الحُب
وتعتذر
عن كل ما حدث
تُقبل
يداه ويسيرا سوياً ليبدءا الحياة
ودون
إرادته يسهى عن الطريق ويبقى حادثٌ مُروع
وفى
الأخبار
إصابة
السياسى المرموق بكدمات وجروح جسيمة إثر حادث سيارة
ووفاة
حبيبته
No comments:
Post a Comment